فصل: تفسير الآيات (71- 72):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآيات (71- 72):

القول في تأويل قوله تعالى: {يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ÷وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [71- 72].
{يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ} الصحاف جمع صفحة، وهي آنية الأكل. والأكواب جمع كوب، وهو ما يشرب منه كالكوز، إلا أن الكوب ما لا عروة له. قال الشهاب: العروة ما يمسك منه ويسمى أذاناً. ولذا قال من ألغز فيه:
وَذِيْ أُذُنٍ بِلَاْ سَمْعٍ ** لَهُ قَلْبٌ بِلَاْ قَلْبِ

إِذَا اسْتَوْلَىْ عَلَىْ صَبٍّ ** فَقُلْ مَاْ شِئْتَ فِي الصَّبِّ

ومن اللطائف هنا ما قيل: إنه لما كانت أواني المأكولات أكثر بالنسبة لأواني المشروب عادة، جمع الأول جمع كثرة، والثاني جمع قلة {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ} أي: بمشاهدته: {وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} أي: من الخيرات، والأعمال الصالحات. وقد شبه ما استحقوه بأعمالهم الحسنة، من الجنة ونعيمها الباقي لهم، بما يخلفه المرء لورّاثه من الأملاك، والأرزاق. ويلزمه تشبيه العمل نفسه بالمورث، على صيغة اسم الفاعل، فهو استعارة تبعية، أو تمثيلية.

.تفسير الآية رقم (73):

القول في تأويل قوله تعالى: {لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ} [73].
{لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ} أي: ما اشتهيتم، ومن إما ابتدائية أو تبعيضية، ورجح بدلالته على كثرة النعم، وأنها غير مقطوعة ولا ممنوعة، وأنها مزينة بالثمار أبداً، موقرة بها.

.تفسير الآيات (74- 75):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} [74- 75].
{إِنَّ الْمُجْرِمِينَ} أي: الذين اجترموا الكفر، والمعاصي في الدنيا: {فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ} أي: لا يخفف ولا ينقص: {وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} أي: مستسلمون يائسون.

.تفسير الآية رقم (76):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ} [76].
{وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ} أي: بهذا العذاب: {وَلَكِن كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ} أي: بكفرهم الله، وجحودهم توحيده.

.تفسير الآيات (77- 78):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} [77- 78].
{وَنَادَوْا} أي: بعد إدخالهم جهنم: {يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} أي: ليمتنا. أي: سله أن يفعل بنا ذلك. تمنوا تعطل الحواس وعدم الإحساس، لشدة التألم بالعذاب الجسماني {قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ} أي: لابثون: {لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} أي: لا تقبلونه وتنفرون منه، وعبّر بالأكثر؛ لأن من الأتباع من يكفر تقليداً.
لطيفة:
قال القاشاني: سمي خازن النار مالكاً لاختصاصه بمن ملك الدنيا وآثرها. لقوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 37- 39] كما سمي خازن الجنة رضواناً لاختصاصه بمن رضي الله عنهم، ورضوا عنه.

.تفسير الآية رقم (79):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ} [79].
{أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ} أي: أم أبرم مشركو مكة أمراً فأحكموه، يكيدون به الحق الذي جاءهم، فإنا محكمون لهم ما يخزيهم ويذلهم، من النكال. كقوله تعالى: {أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ} [الطور: 42].

.تفسير الآية رقم (80):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [80].
{أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم} أي: ما أخفوه من تناجيهم بما يمكرون، فلا نجازيهم عليه لخفائه علينا: {بَلَى} أي: نسمعهما ونطلّع عليهما: {وَرُسُلُنَا} يعني الحفظة: {لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} أي: ما تكلّموا به ولفظوا من قول، ثم أشار إلى ردّ إفكهم في أن الملائكة بنات الله تعالى، ختماً للسورة مما بدئت به، المسمى عند البديعيين: رد العجز على الصدر. فقال سبحانه:

.تفسير الآية رقم (81):

القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} [81].
{قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} أي: لذلك الولد. والأولية بالنسبة إلى المخاطبين، لا لمن تقدّمهم. قال الشهاب: ولو أبقى على إطلاقه، على أن المراد إظهار الرغبة والمسارعة، جاز. انتهى.

.تفسير الآية رقم (82):

القول في تأويل قوله تعالى: {سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} [82].
{سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} على نفي التالي. وهو عبادة الولد، أي: أوحّده وأنزّهه تعالى عما يصفونه من كونه مماثلاً لشيء، لكونه ربّاً خالقاً للأجسام كلها، فلا يكون من جنسها، فيفيد انتقاء الولد على الطريق البرهاني. وأما دلالته على الثاني، فإذا جعل قوله: {سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ} إلخ من كلام الله تعالى، لا من كلام الرسول، أي: نزّه رب السماوات عما يصفونه، فيكون نفياً للمتقدم ويكون تعليق عبادة الرسول من باب التعليق بالمحال، والمعلق بالشرط عند عدمه فحوى بدلالة المفهوم، أبلغ عند علماء البيان من دلالة المنطوق. كما قال في استبعاد الرؤية: {فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} [الأعراف: 143]. انتهى.

.تفسير الآية رقم (83):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ} [83].
{فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا} أي: في باطلهم: {وَيَلْعَبُوا} أي: في دنياهم: {حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ} قال ابن جرير: وذلك يوم يُصليهم الله بفريتهم عليه جهنم، وهو يوم القيامة.

.تفسير الآية رقم (84):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ} [84].
{وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} أي: المعبود فيهما بلا شريك: {وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ} أي: في تدبير خلقه، وتسخيرهم لما يشاء بمصالحهم.

.تفسير الآيات (85- 86):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [85- 86].
{وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ} أي: الشفاعة لهم عند الله، كما زعموا أن أندادهم شفعاء: {إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} أي: من آمن بالله، وأقر بتوحيده، وهم يعلمون حقيقة توحيده، أي: وحّدوه، وأخلصوا له على علم منهم ويقين، كقوله: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28]. قال ابن كثير: هذا استثناء منقطع، أي: لكن من شهد بالحق على بصيرة، وعلم، فإنه تنفع شفاعته عنده، بإذنه له.
تنبيه:
قال الشهاب: استدل الفقهاء بهذه الآية على أن الشهادة لا تكون إلا عن علم، وأنها تجوز وإن لم يشهد.
وفي الإكليل قال إلكيا: يدل قوله تعالى: {إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} على معنيين: أحدهما- أن الشهادة بالحق غير نافعة إلا مع العلم، وأن التقليد لا يغني مع عدم العلم بصحة المقالة. والثاني- أن شرط الشهادات في الحقوق وغيرها، أن يكون الشاهد عالماً بها.

.تفسير الآيات (85- 86):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [85- 86].
..............

.تفسير الآية رقم (87):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} [87].
{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} أي: خلقنا لتعذر المكابرة فيه من فرط ظهوره: {فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} أي: يصرفون عن عبادته إلى عبادة غيره.

.تفسير الآية رقم (88):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَقِيلِهِ يَارَبِّ إِنَّ هَؤُلَاء قَوْمٌ لَّا يُؤْمِنُونَ} [88].
{وَقِيلِهِ} أي: قيل محمد صلوات الله عليه، شاكياً إلى ربه تبارك وتعالى، قومه الذين كذبوه وما يتلقى منهم: {يَارَبِّ إِنَّ هَؤُلَاء} أي: الذين أمرتني بإنذارهم، وأرسلتني إليهم لدعائهم إليك: {قَوْمٌ لَّا يُؤْمِنُونَ} أي: بالتوحيد، والرسالة، واليوم الآخر. كقوله تعالى: {وقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً} [الفرقان: 30].

.تفسير الآية رقم (89):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [89].
{فَاصْفَحْ} أي: أعرض: {عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ} أي: لكم، أو عليكم، أو أمري سلام، أي: متاركة فهو سلام متاركة لا تحية.
وقال الرازي: احتج قوم بهذه الآية على أنه يجوز السلام على الكافر. ثم قال: إن صح هذا الاستدلال فإنه يوجب الاقتصار على مجرد قوله: سلام. وأن يقال للمؤمن: سلام عليكم. والمقصود التنبيه على التحية التي تذكر للمسلم والكفار.
وفيه نظر؛ لأنه جمود على الظاهر البحت هنا، والغفلة عن نظائره. من نحو قول إبراهيم عليه السلام لأبيه: {سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي} [مريم: 47]، وآية: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} [القصص: 55]، على أن الأكثر على أن الخبر هنا محذوف، أي: عليكم والمقدر كالمذكور، والمحذوف لعلة كالثابت، فالصواب أن السلام للمتاركة. والله أعلم: {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} أي: حقية ما أرست به، بسموّ الحق، وزهوق الباطل.
تنبيه:
قرئ: {وقيلَه} بالنصب عطفاً على، سرّهم ونجواهم. وضعّف بوقوع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه، بما لا يحسن اعتراضاً، أو على محل الساعة؛ لأنه في محل نصب؛ لأنه مصدر مضاف لمفعوله، أو بإضمار فعله، أي: وقال قيله.
وقرئ بالجر عطفاً على الساعة، أو الواو للقسم، والجواب محذوف، أي: لأفعلن بهم ما أريد، أو مذكور وهو قوله: {إِنَّ هَؤُلَاء قَوْمٌ لَّا يُؤْمِنُونَ}.
وقرئ بالرفع عطفاً على علم الساعة، بتقدير مضاف، أي: وعندهم علم قيله، أو مرفوع بالابتداء، وجملة يا رب إلخ هو الخبر. أو الخبر محذوف، أي: وقيله كيت وكيت، مسموع أو متقبل. وفي الحواشي مجازيات جدلية، فازدد بمراجعتها علماً.

.سورة الدخان:

بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 3):

القول في تأويل قوله تعالى: {حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} [1- 3].
يعني ليلة القدر التي قدر فيها سبحانه إنزال ذكره الحكيم. وكانت في رمضان. كما قال سبحانه {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن} قال ابن كثير: ومن قال إنها ليلة النصف من شعبان، فقد أبعد النجعة. فإن نص القرآن أنها في رمضان. وما روي من الآ ثار في فضلها، فمثله لا تعارض به النصوص. هذا على فرض صحتها. وإلا فهي ما بين مرسل وضعيف. والبركة اليمن. ولا ريب أنها كانت أبرك ليلة وأيمنها على العالمين، بتنزيل ما فيه الحكمة والهدى، والنجاة من الضلال والردى. قال القاشاني: ووصفها بالمباركة،لظهور الرحمة والبركة، و الهداية والعدالة في العالم بسببها. وازدياد رتبته صلى الله عليه وسلّم وكماله بها. كما سماها {ليلة القدر} لأن قدره وكماله إنما ظهر بها. {إنّا كنّا منذرين} أي من خالف مقتضى الحكمة وقوة الدلائل، واختار المذام وتذلل للهوى ولم يكتف بهداية الله، ولم يقت روحه بقوت معارفه، وذلك لتقوم حجة الله على عباده.

.تفسير الآية رقم (4):

القول في تأويل قوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [4].
{فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} أي: يفضل ويبين كل أمر تقتضيه الحكمة، على وجه متين محمود عند الكمل تقتات به أرواحهم، وترحم به نفوسهم. وقوله تعالى:
....

.تفسير الآيات (5- 6):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَمْراً مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [5- 6].
{أَمْراً مِّنْ عِندِنَا} نصب على الاختصاص، أي: أعني بهذا الأمر أمراً حاصلاً من عندنا على مقتضى حكمنا. وهو بيان لفخامته الإضافية، بعد بيان فخامته الذاتية: {إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ} أي: مرسلين إلى الناس رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آيات الله، ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب، والحكمة، رحمة منه تعالى بهم، لمسيس الحاجة إليه كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]، وجوز كون رحمة علة للإنزال. أي: رحمة تامة كاملة على العالمين بإنزاله، لاستقامة أمورهم الدينية والدنيوية، وصلاح معاشهم ومعادهم، وظهور الخير، والكمال، والبركة، والرشاد فيهم بسببه.
والوجه هو الأول، وهو كونه غاية للإرسال؛ لإفصاح تلك الآية عنه: {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ} أي: لدعوة حقائق الأشياء بمقتضياتها: {الْعَلِيمُ} أي: بمقادير قابلياتها، فلا يبعد عليه الإرسال والإنزال، قاله المهايمي. وقال القاشاني: أي: السميع لأقوالهم المختلفة في الأمور الدينية الصادرة عن أهوائهم، العليم: أي: بعقائدهم الباطلة، وآرائهم الفاسدة، وأمورهم المختلفة، ومعايشهم غير المنتظمة. فلذلك رحمهم بإرسال الرسول الهادي إلى الحق في أمر الدين، الناظم لمصالحهم في أمر الدنيا، المرشد إلى الصواب فيهما، بتوضيح الصراط المستقيم، وتحقيق التوحيد بالبرهان، وتقنين الشرائع وسنن الأحكام لضبط النظام.
....